أعلام سلا

الفقيه العلامة الحاج سيدي محمد المريني

علماء سلا الفقيه المريني

سلسلة علماء وصلحاء

 من علماء سلا

الفقيه العلامة الحاج سيدي محمد المريني

 

هو الفقيه الأجل، والعالم الأخيَر، سيدي محمد بن أبي بكر بن الغالي المريني. ولد بسلا حوالي 1903 م، وتلقي تعليمه الأولي كباقي أقرانه بالكُتاب القرآني، حيثُ حفظ القرآن الكريم ترتيلا وتجويدا على يد أحد أشهر القراء بسلا؛ وهو الفقيه امحمد بوشعراء، بكُتَّابه الكائن بحومة مكتب التيال. وتلقى تكوينه الأساسي في العربية علي يدِ خاله الطاهر بن عبد الله زنيبر، وفي علوم الفقه والحديث علي شيوخه وأساتذته: الفقيه أبي بكر التطواني، والعلامة محمد بن احساين النجار، والعلامة الباشا الحاج محمد الصبيحي، والمفتي سيدي أحمد الجريري؛ والمحدث القاضي الحاج علي عواد، الذي أجازه أمام الكعبة المشرفة عندما أديَا معا فريضة الحج عام 1934م. كما أجازه هناك بعض علماء الحرَمِ المكي.

توجه مترجَمُنا، على عادة السلاويين إلى فاس؛ والتحقَ بجامعة القرويين التي قضى بها بضع سنوات، وبعد رجوعه إلى مسقط رأسه، تعاطى التجارة؛ كما عمل بعض الوقت بمحكمة القاضي الشرعي، لكن هواه كان مع العلم والمعرفة والتعليم والتربية الدينية.

وفي سنة 1930م؛ عُيِّنَ بظهير ملكي شريف إماما بضريح سيدي عبد الله بن حسون؛ وفي سنة 1934م كما أشرنا أدى فريضة الحج، وفي طريقه زار مصر، وله وريقة صغيرة يصف فيها بعض مآثر القاهرة.

وبعد عودته؛ أنشأ بحي البليدة؛ كُتَّابًا قرآنيا بزاوية ازنابرة (نسبة لآل زنيبر)، وقد أصبحتْ فيما بعدُ تُسمَّى الزاوية الحمدوشية بعدما تحولت إلي مقر لهذه الطريقة، كان يُدَرِّسُ به اللغة العربية والفقه؛ إلى جانب تحفيظ القرآن الكريم وتجويده. وعندما أسَّس الأستاذ أبوبكر القادري، فيما بعد، مدرسة النهضة ، التحق بها مع تلامذته معلما لنفس المواد. وفي سنة 1939م، كُلِّف بقرار من القاضي العلامة بنخضراء؛ إمامًا بتناوب الأوقاتِ لمسجد المريني بباب احساين (الصبح والمغرب والعشاء)؛ ومسجد سوق الغزل ( الظهر والعصر).

ذاع صيت الفقيه المريني كمدرِّسٍ كفء وحازم، مما أهَّلَه لنيل الثقة الملكية فعُيِّنَ بظهير ملكي شريف سنة 1942 مُدَرِّسا لـ “رسالة أبي زيد القيرواني” و”الأجرومية” لتلاميذ جميع الكتاتيب القرآنية بسلا.

وفي أواخر عَقْد الأربعينيات من القرن العشرين، قامت وزارةُ الأوقاف بتوجيه من الملك المغفور له محمد الخامس، بتأسيس مدرسةٍ عصرية للتعليم باللغة العربية بسلا، أطلق عليها اسم المدرسة المحمدية، وتم افتتاحها يوم 16 نونبر 1948م، وقد أمر جلالتُه بإسناد إدارتها للفقيه المريني، وهي المهمة التي ظلّ يقوم بها حتى وفاته.

وفي سنة 1957م عُيِّنَ بظهير ملكي شريف خلفًا للفقيه البارودي؛ إمامًا للمسجد الأعظم بسلا، وواعظا به. وهي المهمة التي داوم على القيام بها حتى سنة 1983م، بالإضافة للوعظ والإرشاد بعدد آخرَ من الجوامع الصغيرة بالمدينة؛ مثل جامع المريني بباب احساين؛ وجامع سوق الغزل؛ وجامع سيدي بوشاقور؛ والزاوية المباركية، فضلا عن ضريح سيدي عبد الله بن حسون، الذي كان يشرف فيه على حلقات تكوين في اللغة العربية والدين للصغار.

وعند بداية السبعينيات؛ عُيِّنَ خلفا لشيخِ الجماعة العلَّامة سيدي أحمد بنعبد النبي؛ خطيبًا للجمعة بالمسجد الأعظم؛ إلي جانبِ مهامه الأخرى في الإمامة والوعظ؛ وإدارةِ المدرسة المحمدية.

وفي سنة 1983م، وبعد أكثر من نصف قرن من البذل والعطاء في مجالات التربية والتنشئة الدينية والوعظ والإرشاد، قررت وزارةُ الأوقاف والشؤون الإسلامية إحالتَه على التقاعد من المهام الإدارية.

وفي نفس السنة صدرت الإرادة الملكية بتكريمه وتوشيحه بوسام العرش من درجة فارس، وهو الوسام الذي تقلده في حفل أقامه المجلس العلمي لولاية الرباط وسلا في شهر نونبر من نفس السنة.

ثلاث سنوات بعد ذلك؛ لبّى مترجمُنا نداءَ ربه الكريم يوم 8 جمادى الأولى 1406هـ الموافق 18 فبراير 1986م، ووُورِيَ الترابَ بمقبرة سيدي عبد الله بن حسون. وقد فوجئ المعَزُّون بأمر غير معتاد؛ عندما قام العلامة مصطفي النجار -رحمه الله – ليؤبِّنَ الراحل؛ ولكن بخطبة وداع تركها الفقيه المريني قبل وفاته؛ جاء فيها:

 

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين

والمرسلين وعلى آله وصحبه وسلم تسليما

 

هذا تأبين صاحبِ الإمضاء، جعله لنفسه يخاطبُ فيه أحبابَه للتنبيه قال:

“أيها الأحباب، أخاطبكُم وأنا على ما ترون، وقد فارقتُ الدنيا وأهلَها، وأنا على بابٍ من أبوابِ الآخرة، ولم يبقَ إلا ثوان، فتأمَّلُوا وتدبَّروا وفَّقكم الله، واسمعوا ما يُتْلَى عليكم من كتابِ الله وأحاديثِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشرَّف وكرَّم، ومجَّد وعظَّم، وعلى آله وصحبه، وسلَّم تسليما.

فاعتبروا يا أولي الأبصار، فأنتم لاحِقُون، والدنيا أضغاثُ أحلام، والمغرور من اغترَّ بها، ” فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا  وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ” (فاطر، الآية5)، “إنمَا الحياة الدنيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ” (الحديد، 20). وهيهات هيهات، وما يعقلها إلا العالمون فتأهبوا للرحيل، “كلُّ نفسٍ ذائقةُ المَوْت” (آل عمران، 185)، “كلُّ  مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ  وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ” (الرحمن، 26-27)، ” كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ  لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ” (القصص، 88). فالدنيا ملعونة، ملعون ما فيها، إلا ذكر الله وما والاه، “وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ  وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ” (النحل، 30). “وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ ٱلأُولَىٰ  وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ” (الضحى، 4-5)، والدنيا قنطرة فاعبروها ولا تعمروها، “وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ” (البقرة، 197 )؛ وتدبروا في قوله جلت عظمته: “ونَضَعُ ٱلۡمَوَ ٰزِینَ ٱلۡقِسۡطَ لِیَوۡمِ ٱلۡقِیَـٰمَةِ فَلَا تُظۡلَمُ نَفۡسࣱ شَیۡـࣰٔا” (الأنبياء، 47).

نرجو الله وجميع المسلمين والمسلمات أن يعمنا بفضله وكرمه وجوده وإحسانه، وأن يعاملنا بعدله وهو الغفور الرحيم، والقائل وقوله الحق: ” إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ” (الزمر، 53)، وقال في الحديث القدسي: “أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما يشاء”، والظن بالله جميل، وهو العزيز الغفور، الرحمن الرحيم، أن يرحمنا ويجعلنا من الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ومن الذين سبقت لهم منا الحسنى، أولئك عنها مبعدون، ومن السبعة الذين يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وغفر لي ولكم ولجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والاموات، إنه مجيب الدعوات.

محمد المريني

 

 

 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى