شيخ القراء الحاج عبد الرحمان بنموسى

شيخ القراء الحاج عبد الرحمان بنموسى
من قراء سلا
شيخ القراء الحاج عبد الرحمان بنموسى
(1326هـ -1908م/ 1417ه- 1997م)
هو عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن البشير بنموسى الهمساسي الحسناوي السلاوي، ولد بمدينة سلا في 28 غشت 1908 م. نشأ عبد الرحمن بنموسى في بيت علم ، حيث كان أبوه العلامة أحمد بنموسى فقيها ومحدثا.
وعن فترات التحصيل يحكي الراحل عبد الرحمان بنموسى أنه لما بلغ السادسة من عمره التحق بالكتاب القرآني عند الفقيه السيد محمد ابريطل، ومكث عنده مدة ثم انتقل الى مكتب آخر عند الفقيه محمد بوشعرة، وحفظ عنده القرآن وهو ابن السادسة عشر من عمره، وعمل معه سلكة أخرى خاصة بالتجويد، ولما بلغ سن الثامنة عشرة اشتغل بالتجارة وبعد مدة التحق بالدروس العلمية ، فقرأ على يد العلامة السيد عبد الهادي الطوبي، “الأجرومية ” “ولامية الأفعال” و”رسالة ابن أبي زيد القيرواني“، ثم انتقل الى فقيه آخر هو السيد أحمد بنعبد النبي، فقرأ عليه “المرشد المعين” وشيئا من التفسير، ثم قرأ على يد الشيخ المدني بلحسني ثم العلامة شيخ الاسلام محمد بلعربي العلوي ، تعلم عليه التفسير وصحيح البخاري وبعد ذلك قرأ على يد الشيخ ابي شعيب الدكالي وختم هذه المسيرة العلمية بالأمداح النبوية على يد متخصصين في المجال. هكذا، عمّق الحاج عبد الرحمان بنموسى ثقافته العربية لغة وفقها، على يد صفوة من شيوخ الفقه في المغرب، وبرع في تجويد القرآن الكريم وأتقن فن المديح، حتى تبوأ مكانة مرموقة في فن التجويد؛ بل اعتبر من أعمدة تجويد القرآن على الطريقة المغربية الأصيلة.
وفي يوم من أيام رمضان، اتصل به قاضي المحكمة وأخبره بأن دوره قد أتى لكي يؤم التراويح بجلالة الملك محمد الخامس رحمه الله، فتم لهُ ذلك، وفي نهاية الصلاة ناداه الحاجب الملكي وأخبرهُ أن تجويده وترتيله نال رضا وإعجاب جلالة الملك. لذلك، استدعاه الملك للقصر الملكي وطلب منه الاستقرار بالمشور السعيد فلبَّى طلبه.
كان الحاج عبد الرحمن بنموسى يؤدِّي الصلاة في رمضان بالملك وبأبنائه ومقرَّبيه. وعند إحداثِ المدرسة المولوية كلفه محمد الخامس بتدريس وليّ العهد آنذاك الحسن الثاني رحمه الله. وحتى يكون الشيخ أكثر قربا من المدرسة المولوية التي يدرس فيها، أهدى له الملك بيتا بالقصر الملكي . بقول الصديق معنينو، الصحافي المرموق والكاتب المغربي : “كلما كانت تشتد الأمور على الملك محمد الخامس و يرى مؤامرات الاستعمار تؤثر عليه و تجعله في حالة من الكرب، كان يستدعي الأستاذ عبد الرحمن بنموسى ليجلس إلى جانبه ويتلو عليه القرآن ويجود مجموعة من الآيات “. وعندما تم نفي الملك محمد الخامس إلى مدغشقر، رفضَ الفقيهُ أن يظلَّ بالقصر الملكي، وعاد إلى مدينة سلا.
تعرف الناس على صوت الحاج عبد الرحمن بنموسي من خلال أثير الإذاعة الوطنية، ضمن حصة القرآن الكريم والتفسير المصاحب للعلامة المكي الناصري، حيث تربت أجال من المغاربة على أصالة صوت الحاج بنموسى وطريقته المغربية الفريدة في التلاوة والتجويد وقد تعرفوا لا حقا على صورته عبر التلفزة المغربية في بداية الستينيات، التي كان يفتتحها ويختم إرسالها بآيات من القرآن الكريم.
وعن أول اتصال لهُ بالإذاعة، يقول عبد الرحمان بنموسى: ”كنتُ أشتغل كناسخ بمحكمة القاضي ادريس بنخضرا، ويوما ما استدعاني القاضي وقال لي أإنه حين كان في الدروس الرمضانية أمره وزير العدل آنذاك، وبتعليمات من صاحب الجلالة الراحل محمد الخامس، أن يخبرني بالالتحاق بالإذاعة، وذلك لأنه أُعجب بقراءتي للقرآن الكريم خلال شهر رمضان لسنة 1358هـ/م1940م، حينما كنت أصلي بهم صلاة التراويح، وهكذا أمر محمد الخامس بانضمامي لجماعة مقرئي القرآن بالإذاعة. وامتثالا لأوامر صاحب الجلالة، رافقني السيد محمد المنصوري أول الأمر إلى الإذاعة، وكانت الحرب العالمية الثانية على أشدّها، وحين وصولنا الى الإذاعة، صادف ذلك اليوم الثلاثاء، ودخلت الأستوديو وقرأت القرآن في الفترة التي تسبق افتتاح برامج الإذاعة، من الحادية عشرة الى منتصف النهار. سمعني أصدقائي وبعض ساكنة مدينة سلا، لقيت قراءتي هذه استحسان الجماهير السلاوية، فعبروا لي عن فرحتهم ومتمنياتهم لي بالتوفيق.
وأضاف: “وللتذكير فقد سبقني في هذه المهمة السيد مولاي الشريف، الذي كان يقرأ القرآن بعد صلاة يوم الجمعة، ومحمد الحياني من مراكش الذي كان يقرأ القرآن يومي الأربعاء والسبت، ومن فاس سبقني السيد أحمد العلمي الذي كان يتولى القراءة يومي الاثنين والجمعة ، والسيد امحمد العوني ومحمد الحصيني اللذان كانا يتناوبان على القراءة يوم الأحد، أما عبد الله الجيراري فكان يقرأ يوم الخميس”.
وتوالت الأيام، كما يقول المرحوم الحاج عبد الرحمان بنموسى، ”وأنا أقرأ القرآن على أمواج الإذاعة، وفي إحدى الأيام اتصل به السيد الباشا الصبيحي، وأخبرني بالالتحاق بالقصر الملكي لابسا الزي التقليدي الوطني، وقد صادف ذلك التاريخ يوم السبت، وعند وصولي الى القصر استقبلني السيد أحمد بركاش، وجدتُ عنده بعض الفرنسيين، والسادة محمد الفاسي وعبد الرزاق البرنوصي والفقيه أقصبي وامحمد باحنيني وعبد الله الجيراري والمؤرخ الفقيه بنعلي، هذه الشخصيات تولت امتحاني، حيث طلبوا مني قراءة شيء من سورة القمر، ثم شيئا من سورة الشعراء، ونحن كذلك حتى دخل علينا السيد بنسمعود الذي رافق محمد الخامس والعائلة الملكية الى المنفى، فقال لهم إن السيد بنموسى قد امتحن من طرف جلالة الملك فلا جدوى مما تعملون”.
وتابع: “وبعد مدة استُقبِلْتُ من طرف جلالة الملك، وكان بمعيتي السيد المعمري والسيد بركاش، وقد أثنى عليّ جلالته وعينني ضمن هيئة التدريس بالمدرسة المولوية، وأمرني بأن أستمر في قراءة القرآن بالإذاعة، وكان ذلك سنة 1942. ومن غرائب الصدف أن اليوم الذي سأعطي فيه الدرس الأول لولي العهد مولاي الحسن وأصدقائه في الدراسة، غلبني النوم ولم أستيقظ إلا في حدود الساعة الحادية عشرة صباحا، ولأنني كنت أسكن بمدينة سلا، فقد استحال علي الالتحاق بالقصر الملكي في الوقت المناسب، وهكذا فقد حضر الأميرُ ورفاقُه وغاب الأستاذ، وأذكر أن حارس قاضي محكمة سلا هو من أيقظني من النوم، واصطحبني مباشرةً الى مكتب قاضي سلا الذي أمر سائق الباشا الصبيحي لمصاحبتي الى القصر الملكي بالرباط”.
وأضاف: “وشرعتُ في عملي كمدرِّس في المدرسة المولوية، الى حين صدور الأمر الملكي بمنحي السكن الوظيفي المجاوِر للمدرسة. وللتذكير، فقد كنتُ أدرِّسُ الأمراء مادة القرآن الكريم، ويتولى السيد بوطالب مادة التفسير، ومحمد الفاسي مادة التاريخ والجغرافية، والبرنوصي مادة العربية، وأقصبي مادة الفقه”.
كذا سطع نجم الفقيه والقارئ الحاج عبد الرحمان بنموسى، وصار أيقونة للأصالة المغربية في التلاوة القرآنية في ذاكرة المغاربة، ساعدته على ذلك مواهبه العديدة في حفظ الأمداح النبوية، وسرد قصة المولد الشريف في زوايا سلا وغيرها من زوايا المغرب، وإتقانه إنشاد مطولات المديح والسماع مثل قصيدة الفياشية، وكذا تمكنه من طبوع الإنشاد، ومن العزف على بعض الآلات الموسيقية. وقد حضر بهذه المواهب المتنوعة في أواخر الثمانينيات في مهرجان أبي رقراق للمديح والسماع بسلا. الأمر الذي أهل متَرْجَمنا ليكون مرجعا أصيلا في ترانيم وأنغام وطبوع المديح والسماع، وفي التلاوة القرآنية بالصيغ المغربية الأصيلة بل والنادرة؛ مما جعل أسلوبه في التلاوة والإنشادِ بحق مدرسة مغربية أصيلة تحتذى، لها فرادتها التي لا تحاكى ولا تضاهى. وظلَّ حضور الحاج عبد الرحمن بنموسى متوهجا إلى أن انتقل الى رحمة الله إلى جوارِ ربهِ يوم الإثنين 24 فبراير 1997؛ لكنه لم يغب عن ذاكرة المغاربة، ولا غاب صوته الصداح إلى اليوم بالتلاوة على الإذاعة وسائر القنوات القرآنية المغربية .