الفقيه الأديب سيدي محمد البارودي

الفقيه الأديب محمد البارودي
الفقيه الأديب سيدي محمد البارودي
د. محمد حجي
هو محمد بن أحمد بن عبد الرحمن. عالم أديب، شاعر ناثر، ضليع في اللغة وقواعدها، متمكن في الفقه والسير. ولد بمدينة سلا في حدود 1280/1863 وبها درس على أخيه الأكبر محمد المعروف بالولي ، وعلى الفقيه محمد بوعلو بالزاوية العيساوية، وعلى المؤرخ أحمد بن خالد الناصري بالزاوية الناصرية. ثم صحب أخاه أحمد المترجم قبله إلى مراكش فاخذ بها على الشيخ الصوفي محمد النور، وعلى يده تخرج في التفسير والعلوم الشرعية وأخذ الطريقة التجانية.
رجع محمد البارودي إلى مسقط رأسه بعد موت أخيه وشيخه محمد الولي فخلفه في كتابه يعلم الصبيان القرآن العظيم، ويدرس بمسجد مجاور للكتاب مبادئ العلوم لأبناء عامل سلا الحاج الطيب الصبيحي الذي سيصبح عالماً مرموقاً وعاملاً للمدينة، وأحمد بن محمد الصبيحي الأستاذ الأديب اللغوي الشهير.
وفي أوائل عهد الحماية أصبح محمد البارودي كاتباً خاصاً لباشا الرباط السيد الصديق بركَاش ثم خلفه عبد الرحمان بركَاش فلم يصرفه ذلك عن التدريس. وكان أكثر إقرائه في الزاوية التجانية بسلا. وفيها قرأت عليه في الأربعينيات مختصر الشيخ خليل، وهمزية البوصيري، وكنت القارئ (السارد) بين يديه. كما قرأت عليه بمسجد الزرقاء القريب من دار سكناه بحي زناته، ألفية ابن مالك. كانت دروسه –رحمه الله-ممتعة، يحسن الشرح ويجيد التفهيم، يضرب الأمثال ويذكر أخبار الصالحين. كما كان حسن المنظر والمظهر والصوت وكأنه أُعطي مزماراً من مزامير آل داود.
حضرت سنين عديدة قراءته للمولد الشريف بالزاوية التجانية بسلا صبيحة عيد المولد، وبضريح سيدي العربي بن السايح بالرباط صبيحة عيد المولد، فكان آية الآيات فصاحة وحلاوة نغمة ومحبةً بالغة في الجناب النبوي الكريم، وكذلك كانت قرأته في الصلاة غاية في التجويد والترتيل بصوته الشجي، إذ كان إمام الزاوية في الأوقات التي يلقي فيها الدروس.
حج أكثر من مرة، وزار عددا من الأقطار الإفريقية والأسيوية والأوروبية، وقضى سنوات بفرنسا إماماً وخطيبا بمسجد باريز، وكان، على تصوفه ونسكه، متفتح الذهن متتبعا الأحداث السياسية، يحصل بشتى الوسائل على الصحف والمجلات الشرقية فيما بين الحربين العالميتين رغم الحظر الاستعماري، ويشجع الوطنيين الشباب ويوقع معهم عرائض استنكار الظهير البربري والضرائب المفروضة على الحرفيين وانتشار الخمارات في أحياء المسلمين وغيرها.
كان شاعراً ينظم القصائد بالفصيح والملحون ويجمع ذلك في ديوان يعد اليوم في حكم المفقود، مثل كنانيشه الأربعة التي كان يسجل فيها تراجم شيوخه وأحداث عصره وفوائد قراءاته ومراسلاته ومذكراته وفتاواه، علاوة على السجلات الكبرى المحررة بخطه في المحكمة الباشوية بالرباط. وله تعاليق على موضح ابن هشام، ولامية الشاطبي، وشرح ميارة للمرشد المعين.
توفي- رحمه الله – بسلا فجر سادس عشر ربيع الثاني عام 1376/20 نونبر 1956 عن نحو سبع وتسعين سنة، ودفن خارج باب معلقة بجوار مشهد بوعشرين.